وقود للحقول وقرابين للطرق.. العمالة الزراعية بالبحيرة "رحلة بلا عودة"

5 days ago 15
ARTICLE AD BOX

02:32 م الإثنين 30 يونيو 2025

البحيرة - أحمد نصرة:

في كل صباح، ومع أولى خيوط الشمس، يخرج الآلاف من العمال والفتيات والفتية إلى الحقول، يحملون على أكتافهم أحلامًا بسيطة وأرزاقًا هشة، لكن الطريق إلى لقمة العيش كثيرًا ما يتحول إلى طريق بلا عودة.

في محافظة البحيرة، التي أكبر المحافظات الزراعية في مصر، بات الموت صديقًا دائمًا لعمال الزراعة، لا بسبب طبيعة العمل الشاق، بل بسبب وسيلة الوصول إليه. فمن التروسيكلات إلى السيارات الربع نقل المكدسة بالبشر، تُساق هذه الفئات المهمشة نحو مصيرها بلا حماية، ولا رقابة.

"صناديق لحم بشري"

تُستخدم سيارات النقل الصغيرة، المخصصة في الأصل لنقل البضائع، كوسائل مواصلات للعمال الزراعيين. يُلقى فيها العشرات بلا مقاعد ولا أحزمة، يُكدسون، حتى أن بعضهم يجلس على أطراف الصندوق الخلفي معرضًا للسقوط عند أقل منحنى.

هذه السيارات تتجاوز حمولتها القانونية بثلاثة أو أربعة أضعاف، ما يجعلها أكثر عرضة للانقلاب أو الاصطدام، سواء على الطرق السريعة أو غير الممهدة التي تربط القرى بالحقول، وحتى في حالة استخدام الميكروباصات تحمل بضعف حمولتها وتتحول إلى "صناديق لحم بشري".

يقول محمود حسن: "طول ما أنا ماشي على الصحراوي بتقابلني عربيات ربع نقل محملة عمالة، مع أي مطب الناس دي بتطير في الهواء حرفيًا، فما بالك لو حصل تصادم أو حادث الوضع هيكون إزاي".

وقود للحقول وقرابين للطرق

ليست المأساة قاصرة على البالغين، فجزء كبير من العمالة الزراعية يتكون من أطفال ومراهقين، بعضهم في عمر العاشرة، يُزج بهم إلى سوق العمل مبكرًا للمساهمة في إعالة أسرهم. ورغم أنهم غير مؤمن عليهم، ولا يتمتعون بأي غطاء صحي أو قانوني، إلا أنهم يتحملون نفس المخاطر، وربما أكثر، فتحولوا إلى وقود للحقول وقرابين للطرق.

تقول "أم رضوى"، عاملة زراعية من إحدى قرى مركز أبو المطامير: "بنتي عندها 13 سنة، بتنزل معايا من 4 الفجر، وفي يوم التروسيكل اتقلب بينا، وإيدها اتكسرت، ومحدش سأل".

أرباح على جثث الغلابة

يلعب مقاولو الأنفار دور الوسيط بين أصحاب المزارع والعمال، وهم المسؤولون عن جمع الأنفار ونقلهم من القرى إلى الأراضي الزراعية. وفي سبيل تحقيق مكاسب أكبر، يلجأ كثيرون منهم إلى استخدام أرخص الوسائل الممكنة دون النظر إلى أمن أو سلامة الركاب، فكلما قلّت نفقات النقل، زادت أرباحهم، ولو على حساب أرواح بشرية.

يقول محمود عبد الرازق عم ضحية لأحد حوادث نقل العمالة: " مقاول الأنفار بيتفق مع صاحب المزرعة على مبلغ معين شامل اليومية وأجرة العامل، وكل ما وفر في وسيلة النقل، كل ما زود الفلوس إللي بتدخل جيبه، عشان كده بيجيبوا تروسيكلات وفي أحسن الأحوال عربيات نص نقل، عشان تستوعب عدد كبير".

ضحايا وحوادث يومية

خلال الشهور الأخيرة، سجلت محافظة البحيرة عدة حوادث دامية راح ضحيتها عمال زراعة كانوا في طريقهم للعمل. بعضهم غرق في الترع نتيجة انقلاب المركبات، وآخرون لقوا حتفهم دهسًا بعد سقوطهم من سيارات مسرعة أو اصطدامها بعوائق الطريق.

ورغم هذه الحوادث المتكررة، لا تزال القضية غائبة عن أولويات المسؤولين، ولا توجد حملات تفتيش أو متابعة جادة على المركبات التي تقل هذه الفئة.

تشريعات غائبة ورقابة مفقودة

لا توجد حتى الآن لوائح تنفيذية واضحة تنظم نقل العمالة الزراعية، ولا تُطبق قوانين المرور أو اشتراطات السلامة على هذه المركبات، وكأن هؤلاء "الغلابة" خارج نطاق الدولة.

تقول مروة حسن - حقوقية: "أين مجلس النواب من هذه الحوادث اليومية، وأين التشريع والرقابة على عمليات نقل العمالة لضمان أمنهم وسلامتهم، وقبل ذلك آدميتهم".

المأساة تتكرر يومًا بعد يوم، لكن لا أحد يسمع أنين الضحايا، ولا صراخ الأهالي، وكأنهم مجرد أرقام في دفتر الحوادث، لا أسماء ولا وجوه ولا أحلام.

Read Entire Article
LEFT SIDEBAR AD

Hidden in mobile, Best for skyscrapers.