ARTICLE AD BOX
12:28 ص السبت 28 يونيو 2025
الإسماعيلية – أميرة يوسف:
لم يكن صباح ذلك اليوم في قرية الشيخة سميحة التابعة لمركز ومدينة فايد بمحافظة الإسماعيلية، كأي صباح مرّ على محمود رمضان، فني المزلقان الرجل الذي اعتاد الانضباط والالتزام بتعليمات السلامة، لم يكن يتوقع أن يتحول تمسكه بالأمانة إلى سبب في دخوله المستشفى بعد اعتداء عنيف كاد يودي بحياته
القصة بدأت على قضبان قرية “الشيخة سميحة” بمركز فايد، حيث تتقاطع حياة البشر مع القطارات العابرة، وقف محمود رمضان، فني المزلقان الأربعيني، كما اعتاد طوال 21 عامًا في خدمته بهيئة السكة الحديد، عيناه لا تفارقان إشارات الخطر، ويده لا تمتد إلا حين يأذن الأمان بالعبور، لم يكن يعلم أن التزامه بتعليمات العمل هذه المرة، سيقوده إلى صراع بين الحياة والموت.
كان القطار القادم من السويس إلى الإسماعيلية يقترب، محمَّلًا بالركاب، عندما وصلت سيارة نصف نقل، محمَّلة بكميات كبيرة من الدقيق، وداخلها جلس رجل وابنه، بدا عليهما الاستعجال وعدم الاكتراث، حاول محمود أن يوقفهما بلطف، ولوّح بيده مشيرًا إلى ضرورة التريث، فالخطر قادم والمزلقان مغلق. لكن الرد لم يكن سوى وابل من الشتائم.
ترجل الأب وابنه من السيارة، وأخذا يقتربان من محمود بغضب متصاعد، وحاول أن يشرح لهما بهدوء أن غلق المزلقان ليس تعسفًا، بل التزام بتعليمات هيئة السكك الحديدية، لحماية أرواح السائقين، والمشاة، وركاب القطار، إلا أن المنطق لم يجد له سبيلًا إلى عقل المعتدين.
حاولا فتح المزلقان عنوة، ثم عادا إليه، ليبدأ فصل جديد من الاعتداء. سقطت الكلمات وتحولت إلى لكمات، والشتائم إلى ضربات متتالية استهدفت صدره وقلبه.
“ضربوني بلا رحمة”، قالها محمود لاحقًا، وهو يروي ما حدث، “كانوا مصممين يأذوني، ومع كل ضربة كنت بحاول أفكر في القطر، في الناس اللي جايين، وفي ولادي”.
انهار على الأرض، وسط صرخات السيدات وصيحات الأهالي الذين تجمعوا عاجزين عن ردعهما، لم يتوقف الهجوم إلا حين فقد الوعي تمامًا، 8 ساعات كاملة قضى محمود داخل غيبوبة، نقلوه على أثرها إلى المستشفى، بعد أن خاف البعض أنه فارق الحياة، خاصة عندما لاحظوا أنه لم يكن يتنفس بشكل طبيعي.
“جه واحد من الأهالي واتصل بزمايلي في الشغل، وقالهم محمود وقع.. محمود بيتضرب..”، يضيف فني المزلقان بصوت متهدج وهو لا يزال على سريره ، “مكنتش هفتح.. القطر جاي ومليان ناس.. وأنا شغال عشان أحميهم، مش أعرّض حياتهم للخطر.”
الفحوصات كشفت عن كدمات وردود داخلية شديدة في الصدر، ما استدعى نقله لإجراء أشعة وفحوصات دقيقة بمستشفى هيئة السكك الحديدية، وسط متابعة طبية دقيقة لحالته التي تدهورت نتيجة الاعتداء الوحشي.
وفي مناشدة مؤثرة، وجه محمود نداءً عاجلًا إلى الفريق كامل الوزير، وزير النقل، قائلًا:
“أنا اتضربت وأنا بحمي الناس.. كل اللي طلبته منهم يستنوا دقيقة عشان القطر يعدي.. حياتهم كانت ممكن تروح.. وأنا مش طالب غير رد اعتباري.. لأن اللي حصل مش بس إهانة ليّ، ده إهانة لكل واحد بيشتغل في المرافق دي وبيحمي أرواح الناس من غير ما حد يحس.”