صورة فنية تظهر حجري شطرنج أحدهما ملون بعلم الولايات المتحدة، والآخر بعلم الصين.

صدر الصورة، Getty Images

قبل 3 دقيقة

في عرض لافت من الصحف الغربية، تساءلت النيويورك تايمز إن كانت الولايات المتحدة قد بدأت تتعلم من الصين، بعد أن باتت الأخيرة منافساً اقتصادياً وتقنياً يحافظ على هويته السياسية. وفي الواشنطن بوست، انتقادات لسياسات التطوير العقاري الأمريكية التي حولت المدن إلى "صحارى مكتظة"، بينما حذّرت التايمز من أزمة نفسية محتملة تهدد المجتمعات بسبب فقدان الوظائف في عصر الذكاء الاصطناعي، حيث بات العمل جزءاً جوهرياً من معنى الذات لدى الأفراد.

ونتوقف بداية عند ما طرحه الكاتب سامي هاركام، في صحيفة النيويورك تايمز، من شواهد تاريخية تبيّن تقليد الصين للنموذج الغربي خلال فترة نهضتها الاقتصادية والعلمية، مع الحفاظ على هويتها ونظامها السياسي، لكنه يعقد مقارنة يلمح من خلالها إلى أن الولايات المتحدة في عهد ترامب وتيار "ماغا"، المؤيد لترامب والداعي إلى سياسات تُعلي من القيم الوطنية، أصبحت بطريقة ما تقلد النموذج الصيني!

يقول هاركام إن الصين أمضت عقوداً في محاكاة عناصر أساسية من النموذج الأمريكي في ريادة الأعمال والاستهلاك والتكامل مع الأسواق العالمية، وإن ذلك أسهم في جعل الصين قوة صناعية، ورائدة في العلوم والتكنولوجيا، وجعل الطبقة المتوسطة في الصين تتوسع أكثر. كل ذلك في الوقت الذي "تمسّكت الصين فيه بهويتها كأمّة"، إذ تبنّت جوانب من النهج الأمريكي مع التمسّك بنظامها القائم على هيمنة الحزب الشيوعي وتدخّل الدولة في كل شيء، وأفضى ذلك إلى تحقيقها "نجاحاً باهراً"، برأي الكاتب.

ويوضح الكاتب أن علاقة المحاكاة هذه بين الصين والولايات المتحدة تسير باتجاهين، فالولايات المتحدة في عهد ترامب تحاول محاكاة بعض الجوانب من التجربة الصينية، ويطرح في هذا السياق بعض الأمثلة.

يرى هاركام أن تيار "ماغا" المؤيد لترامب يتبنى دعوات مشابهة لما تدعو إليه الصين، إذ يدعو كلاهما إلى ترسيخ شعور قوي بالوطنية والقومية، إضافة إلى الهوس بالتصنيع، ومعاداة المهاجرين. كما "يريد الطرفان بلداً تخضع فيه الأقليات العرقية لهيمنة الأكثرية، وتُفرض فيه أدوار جندرية تقليدية".

كما أن الصين "تستخدم اقتصادها كسلاح لمعاقبة شركائها التجاريين"، وهو الأمر ذاته الذي تفعله إدارة ترامب، برأي الكاتب، عبر الضغط على حلفاء الولايات المتحدة عن طريق "الرسوم الجمركية التعسفية أو إجراءات انتقامية أخرى".

لا يُخفي الكاتب إعجابه بما حققته الصين خلال العقود الأخيرة، وذلك عبر سياسات صناعية واسعة الأفق، والتبني السريع للتكنولوجيات الجديد، والتحول نحو الطاقة المتجددة، والمدن عالية التقنية، وشبكة الطرق المتطورة، والإنفاق الحكومي على التعليم والتكنولوجيا.

ويشدد الكاتب على أن نجاح الصين لم يكن مرتبطاً فقط بغياب الديمقراطية التي يراها البعض "عائقاً أمام تنفيذ الخطط"، بل ارتبط كذلك ببُعد نظر استراتيجي، واستثمار في المستقبل، وشعور وطني قائم على الوحدة لا الانقسام. وهو نموذج ينبغي على الولايات المتحدة تبني بعض جوانبه، مثل التحول للطاقة المتجددة، ودعم التعليم والبحث العلمي، والاستثمار في البنية التحتية، وتعزيز الشعور الجماعي بالوطنية.

إلا أن إدارة ترامب، برأي الكاتب، تعمل على "تقويض أو تخفيض التمويل المخصص لأمور حيوية"، مثل السلامة العامة والبنية التحتية والتعليم والطاقة النظيفة، إضافة إلى "تأجيج الانقسامات السياسية".

يختم الكاتب بالقول إن الولايات المتحدة من الممكن أن تتعلم من الصين، لكن عليها أن تجد طريقة لإنجاح ذلك مع الحفاظ على مبادئها الدستورية.

أين اختفت الأشجار؟

صورة تُظهر مجموعة من المنازل في ولاية فرجينيا الأمريكية.

صدر الصورة، EPA-EFE/REX/Shutterstock

على وقع موجات الحر التي ضربت أوروبا وبعض أجزاء الولايات المتحدة في الأيام الأخيرة، تستذكر الكاتبة كاثلين باركر، التي تعيش في ولاية ساوث كارولاينا، حين ذهبت في رحلة إلى كاليفورنيا رفقة ابنها قبل أربع سنوات، وقطعت خلالها صحراء موهافي بالسيارة، وتذكرت كيف شعرت بالخشية على حياتها وحياة ابنها بسبب الحر الشديد الذي شعرت به وخلو المكان من أي مظاهر حياة. وتشير، في مقالها الذي نُشر على الواشنطن بوست، إلى أن الحر الذي شعرت فيه في ساوث كارولاينا في الأيام الأخيرة يُقارن بالحر الذي شهدته في صحراء موهافي بولاية كاليفورنيا الأشد حرّاً في العادة.

تقول باركر إن غياب الإجراءات للحد من انبعاثات غازات الاحتباس الحراري، سيعني زيادة موجات الحر من حيث العدد والحدة، وزيادة تواتر الأعاصير وشدتها، وارتفاعاً عاماً في درجات الحرارة، وهذا برأيها، ما يقوله الجميع وما يثبته العلم.

تنتقد الكاتبة مشاريع التطوير العقاري رخيصة الثمن وسريعة التنفيذ التي انتشرت في العديد من الولايات دون الأخذ بعين الاعتبار العامل البيئي، وهي مشاريع مدفوعة بنقص المساكن، وتؤدي إلى تحويل المدن والبلدات إلى "صحاري صغيرة مكتظة بالسكان دون وجود الأشجار".

تشير باركر في هذا السياق إلى مسألة قطع الغابات لإفساح المجال لمشاريع الإسكان، وتصف الأمر بـ "غير المنطقي"، إذ تحسّن الأشجار جودة الهواء، وتخفف من آثار التغير المناخي. كما أن المنازل لم تعد محاطة بالأشجار رغم تفضيل الناس لذلك، وهو ما تلقي اللوم فيه على المطورين العقاريين الذين يقولون إن التوفير في تكاليف البناء سينعكس إيجاباً على المشترين. وتردّ على ذلك بتساؤل: كيف يمكن لأي شخص أن ينشأ بشكل سليم وصحي دون وجود شجرة يتسلقها حول بيته؟

تختم باركر بالقول إن علينا التكيف مع ارتفاع درجات الحرارة، لكن هذا التكيّف لا يعني الاعتياد عليها فقط، بل كذلك بـ "تغيير أسلوب بناء المنازل والحفاظ على الموارد الطبيعية".

مجتمع "منهار عصبياً"

صورة تعبيرية تظهر امرأة تجلس بوضعية تدلل على الحزن والاكتئاب.

صدر الصورة، PA

نشأت أجيال كاملة خلال العقود الأخيرة على فكرة تبجيل العمل والإنتاجية، وأصبحت ساعات العمل أطول مما كانت عليه في منتصف القرن العشرين، وتحوّلت أماكن العمل إلى بيئة تمثّل البيت بالنسبة للكثيرين، كما أن القيم الثقافية والحضارية منحت مكانة عالية للعمل الجاد بحيث أصبح مقياساً على نجاح الفرد والمجتمع، فماذا لو حلّ الذكاء الصناعي مكان البشر في العديد من الأعمال المكتبية؟ ماذا لو وجدنا أنفسنا فجأة نعمل لساعات أقل بكثير بسبب ذلك؟ أي فراغ روحي سيخلقه الأمر لدى أجيال اعتادت على تقديم العمل على أي شيء آخر؟

هذا ما يناقشه الكاتب جيمس ماريوت، في مقاله بصحيفة التايمز، الذي يقتبس من تقرير للصحيفة نفسها يقول إن الوظائف المتاحة للخريجين في سوق العمل في بريطانيا انخفضت بمقدار الثلث منذ إطلاق تطبيق "شات جي بي تي"، وإذا صحّ أن الذكاء الاصطناعي مسؤول عن هذا التراجع في الوظائف، فقد نكون على أعتاب "عصر بلا عمل"، وبالنظر إلى أنه ليس من المبالغة القول إن "العمل هو الإيمان الحقيقي للغرب"، على حدّ تعبير الكاتب، فإن فقدان العمل سيطلق تحديات روحية أمام المجتمع.

يقتبس الكاتب من مقولة لعالم الاقتصاد الإنجليزي جون مينارد كينز في ثلاثينيات القرن الماضي، تنبأ فيها بأن ساعات العمل للأجيال المقبلة ستنخفض بفضل الأتمتة إلى 15 ساعة أسبوعياً، لكن ذلك سيعني تخلي الناس عن "العادات والغرائز" التي غرستها ثقافة كرّست قيمة العمل الجاد، وسيعني الاستسلام لفكرة عدم القيام بأي شيء على الإطلاق، وبالتالي ستعمّ حالة من "الانهيار العصبي العامّ".

يقول الكاتب إن الفجوة التي قد تنشأ عن فقدان الوظيفة، بالنسبة للعاملين الذي نشأوا على فكرة أن الإنتاجية هي هدف الوجود، ستعني "فقدان حياة كاملة تقريباً". إذ إن العالم الحديث رغم ازدهاره، "أكثر عزلة وبلا أطفال". وسيجد الكثير مّمن حلّت الآلات محلهم أنهم لا يملكون الكثير من الخيارات الأخرى لتعوّضهم عن هذا النقص في "معنى حياتهم".